جبال القصرين: الطبيعة تُصارع وتنتصر

الصورة الرئيسية

تُعد ولاية القصرين من أبرز المناطق الجبلية في تونس، وتضم أعلى قمة جبلية في البلاد: جبل الشعانبي، الذي يبلغ ارتفاعه 1544 مترًا. ويمثل هذا الجبل جزءًا من سلسلة جبال الأطلس الممتدة عبر شمال إفريقيا من المغرب، مرورًا بالجزائر، وصولًا إلى تونس.

يتميّز جبل الشعانبي بغطاء نباتي كثيف، يتكوّن أساسًا من الصنوبر الحلبي، إضافة إلى البلوط الفليني، العرعار، الزان، والفيجن، مما يمنحه أهمية بيئية واستراتيجية كبيرة. تنوّع طبيعي وجغرافي فريد تحتضن ولاية القصرين عدة جبال أخرى لا تقل أهمية عن الشعانبي، مثل جبل السلوم جبل مغيلة جبل سمامة تتميّز هذه الجبال بتضاريسها الوعرة، التي تشمل الوديان والهضاب، وتكوّنها الجيولوجي من الصخور الرسوبية كالكَلس والدولومايت، والتي تعود للعصرين الجوراسي والطباشيري. ومن حيث المناخ، فالمنطقة تخضع لمناخ متوسطي شبه جاف، يتميّز بـ: صيف حار وجاف شتاء بارد إلى معتدل مع تساقط الأمطار والثلوج، خاصة في المرتفعات. تتراوح كميات الأمطار بين 300 و600 ملم سنويًا، مع تزايدها في المرتفعات.

كما تتساقط الثلوج أحيانًا على قمم الشعانبي، سمامة، وبيرينو. الشعانبي: محمية بيولوجية ووطنية منذ سنة 1977، أُدرج جبل الشعانبي كمحمية للمحيط الحيوي من طرف اليونسكو، وفي سنة 1980 أصبح محمية وطنية بقرار رئاسي.

وتزخر هذه الجبال بثروات طبيعية، مثل: نباتات طبية وعطرية حيوانات برية (الخنزير البري، الضبع، الثعلب، ابن آوى) طيور نادرة ومهاجرة (كالنسور والصقور) تهديدات متواصلة رغم القيمة البيئية منذ 28 جوان 2014، اندلعت سلسلة حرائق ضخمة، خاصة في جبل الشعانبي، ولاحقًا في جبال سمامة والسلوم، واستمرت هذه الحرائق بشكل متكرر كل صيف حتى سنة 2023. وكان حريق زاوية بن عمار في جبل سمامة من أخطرها، نظرًا لقربه من التجمعات السكنية، مما استوجب تدخل فرق إطفاء من ولايات مجاورة. لكن لا تقتصر التهديدات على الحرائق فقط، بل تشمل:

الرعي الجائر القطع العشوائي للأشجار الأنشطة العسكرية المكثفة في إطار مكافحة الإرهاب رغم تصنيف هذه الجبال كمناطق عسكرية مغلقة، يواصل السكان المحليون استغلال مواردها الطبيعية للرعي وجمع الأعشاب الطبية.

كما كانت هذه الجبال سابقًا مجالًا للسياحة البيئية والتخييم.

تأثير الحرائق على البيئة والمحيط خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى 2020، تغير المشهد البيئي بشكل واضح: تصحّر واضح واختفاء تدريجي للغطاء النباتي انبعاث الغازات الضارة مثل:

أول أكسيد الكربون (CO) ثاني أكسيد الكربون (CO₂) أوكسيدات النيتروجين (NOx) جسيمات دقيقة تحمل معادن وكبريتات هذه الغازات تؤدي إلى: تهيج الجهاز التنفسي للسكان القريبين ترسّب الرماد على النباتات تغيير خصائص التربة وتدهور جودتها تلوث المياه في حال تسرب المكونات الكيميائية إلى المجاري المائية لكن الطبيعة لا تستسلم رغم كل هذه التحديات، فقد بدأت مؤشرات إيجابية تظهر خلال السنوات الثلاث الأخيرة (2021-2023).

حيث: عاد الاخضرار إلى سفوح الجبال بدأت النباتات والأشجار في التجدد استُعيد جزء من التنوّع البيولوجي رماد الحرائق: ضار ونافع رغم الأضرار المباشرة للحرائق، إلا أن رماد الأشجار المحروقة قد يكون مفيدًا على المدى المتوسط، فهو: يُغني التربة بعناصر غذائية هامة مثل: البوتاسيوم (K) الفوسفور (P) الكالسيوم (Ca) المغنيسيوم (Mg) يرفع من خصوبة التربة ويُحسّن بنيتها يحسّن قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء يحفّز إنبات بعض البذور التي تحتاج حرارة النار أو الرماد لكن نجاح هذا "التحول الطبيعي الإيجابي" يبقى مرهونًا بعدة عوامل، أهمها: شدة الحريق نوع التربة الظروف المناخية دور الإنسان في حماية الغابة أو دعمها بإعادة التشجير خلاصة: ربّ ضارّة نافعة، فالطبيعة وإن تضرّرت، إلا أنها تمتلك آليات للعودة، بل وتُحوّل الدمار إلى فرصة للنمو من جديد. أما الإنسان، فقد يكون العدو الأكبر للطبيعة حين يُهمل أو يعتدي، لكنه أيضًا جزء من الحل حين يتحمّل المسؤولية، ويعيد التوازن لعلاقته بالبيئة. جبال القصرين ليست فقط خزانات مياه وهواء نقي، بل هي ذاكرة حية للطبيعة، شاهدة على قدرتها على الصمود والتجدّد.