
قراءة في برنامج الدورة 44 لمهرجان القصرين الدولي
قراءة في برنامج الدورة 44 لمهرجان القصرين الدولي
ظهر أمس الخميس 17 جويلية 2025 ، ومباشرة إثر نشر برنامج الدورة 44 لمهرجان القصرين الدولي تباينت ردود الأفعال في المدينة حول الخيارات والعروض بين مرذّلين تراوحت تعاليقهم بين ( صفر ، ع الحيط ، برمجة فاشلة ... ) وبين مصفّقين مهلّلين ( برنامج رائع ، برمجة تلبي ذوق جمهور القصرين ، برمجة ثرية ومزيانة ... ) وبين شعبويين يروّجون لفكرة إلغاء المهرجانات وتخصيص مواردها لإطعام الجياع ومداواة المرضى وتحسين البنية الأساسية بالجهة .
ولعلنا ونحن نروم القيام بقراءة متأنية لتلك البرمجة نؤكد أننا كما كنا دوما لا نحتكم إلا لوجهة نظر تستند إلى بحث وتنقيب واستماع ومتابعة للأصداء التي عقبت تلك العروض في جهات أخرى ، وأننا نلتزم بخط تحريري موضوعي رائده شعارنا الذي دأبنا عليه منذ تأسيس راديو سيليوم أف أم ، وهو سعينا الدؤوب بأن نكون ( صوت القصرين الي يتكلم ) .
ورد البرنامج الذي تم الإعلان عنه ظهر أمس على الصفحة الرسمية لمهرجان القصرين الدولي في معلقة تلتزم بالهوية البصرية التي تم نشرها منذ أيام قليلة ولاقت استحسان جل المتابعين ، وقد تضمن البرنامج أحد عشر عرضا خلال الفترة المتراوحة بين 27 جويلية و 18 أوت 2025 وهو عدد قليل مقارنة بالدورات السابقة .
فهل ارتكزت هندسة البرمجة على قاعدة ( قلل ودلل ) أم على قاعدة ( على قدر كسائي أمد رجلي ) أم أنها كانت تعبيرة صامتة صادقة تقول ضمنيا أنه ( ليس بالإمكان أفضل مما كان ) ؟
إذا أردنا أن نعتمد مقاربة موضوعية لتقييم البرمجة من الجانب الكمي وجب علينا أن نستكشف ماحولنا من مهرجانات في ولايات تشبهنا من حيث التركيبة السكانية والموارد المخصصة للمهرجانات فنجد أن مهرجان باجة الدولي قد برمج 12 عرضا ، وأن مهرجان سليانة الدولي قد برمج 8 عروض وأن مهرجان تطاوين الدولي قد برمج 14 عرضا ، وأن برنامج مهرجان الفسقية الدولي بالقيروان قد برمج 23 عرضا ، في حين لم تنشر مهرجانات قفصة وسيدي بوزيد وسيدي بومخلوف بالكاف برامجها إلى حد الآن ، ولن نتحدث طبعا عن مهرجانات سيدي ظاهر بسوسة ولاعن مهرجان بنزرت الدولي ولاعن مهرجان المنستير الدولي ولاعن مهرجان صفاقس الدولي فتلك مهرجانات من حجم آخر لا تجوز معه المقارنة .
ويمكن أن نعتبر اعتمادا على ما سبق أن عدد العروض محتشم نسبيا ولا يشبع حاجيات جمهور المهرجان الذي يحرقه غياب الفضاءات الترفيهية بالجهة وقيظ الصيف بين جنبات البيوت والمنازل ، ولكنه متقارب إلى حد بعيد مع بقية المهرجانات المجاورة .
أما من الناحية المضمونية فيمكن تقسيم العروض التي وردت بالبرمجة إلى ستة أصناف :
- عروض غنائية وترية : نبيهة كراولي
- عروض شبايبة : سي لمهف / جنجون / كازو / الثلاثي أيمن غزال وعفاف سالم وحمودة فلاح
- عروض الفن الشعبي : محمد المسعودي
- عروض مسرحية : بسام الحمراوي / وليد الزين / رقصة سماء
- عروض خاصة بالأطفال : سبايس تون
- عروض صوفية : الزيارة .
ويبدو من خلال قراءة أولية لهذا التصنيف أن الهيئة المديرة قد اشتغلت على محاولة ضمان تنوع الاختيارات ومراعاة مختلف الأذواق مع نزوع طفيف للعروض الشبابية باعتبار أنها الفئة الجماهيرية الأكثر حضورا المهرجان ( وفق تصريح المدير الفني للمهرجان لوسائل الإعلام ) بالإضافة إلى الحضور الوازن للعروض المسرحية ( باعتبار مرجعية مدير المهرجان ) .
مضمونيا وفي تمشيط سريع للعروض يمكن أن نقول ما يلي على الحساب :
- سهرة نبيهة كراولي ( 27 جويلية ) : عصارة أربعين سنة من التواجد في الساحة بأغان خفيفة جلها بلهجة قفصية مستساغة من قبل الجمهور ( شفتك مرة / طريق السلامة / كان قلبي يطاوعني / واش عاجبه فيها / قالولي جاي / محلاها كحلة الأنظار ... ) من المؤكد أنها ستلاقي إقبالا جماهيريا كبيرا
- سي المهف ( 30 جويلية ) : واسمه الحقيقي مهدي الصغير وهو شاب يخوض منذ سنوات قليلة تجربة ناجحة تتنوع فيها الموسيقى والتجارب بأسلوب يراوح بين النقد والفكاهة يعالج مواضيع مجتمعية برؤية شبابية تروي قصص الأمل والثورة والتمرد ، وهو عرض يجلب فئة واسعة من الشباب المتعطش لأغان تعبر عن همومه وآهاته .
- كازو ( 1 أوت ) وجنجون ( 9 أوت ) عرضان من عروض الراب التي تلاقي نجاحا جماهيريا كبيرا لدى الشباب وحبذا لو تمت الاستعاضة عن عرض جنجون الذي يتواجد باستمرار في جميع مهرجانات القصرين بعرض للنجم الكبير بلطي الذي يتعطش جمهور المهرجان لمشاهدته على المسرح الأثري سيليوم أو للنوردو الذي نجح نجاحا منقطع النظير في عرضه منذ سنتين في سيليوم
- بسام الحمراوي / المايسترو ( 3 أوت ) ووليد الزين / Mr propre ( 11 أوت ) عرضان مسرحيان فكاهيان من صنف عروض الممثل الوحيد ( وان مان شو ) وهو صنف يلاقي نجاحا كبيرا في كل المهرجانات الصيفية وقد سبق لهما النجاح في الجهة ( الحمراوي في القصرين وسبيطلة ) وولي0د الزين في بوزقام خلال الصائفة الماضية )
- سبايس تون ( 5 أوت ) : لاقت برمجة هذا العرض استهجانا وسخرية من قبل عدد كبير من المعلقين على البرمجة ولكنهم سيتفاجؤون بحجم الحضور والتفاعل من قبل الشباب والأطفال وهو عرض لأغاني جينيريك الصور المتحركة التي تعرض على قناة الأطفال تلك ، يشبه إلى حد كبير عروض طارق العربي طرقان وأبناؤه التي لاقت إقبالا وتفاعلا جماهيريا كبيرين جدا .
- عرض محمد المسعودي ( 7 أوت ) : العرض الوحيد لأحد أبناء الجهة في المهرجان وهو عرض في الفن الشعبي المستوحى من تراث القصرين يلاقي نجاحا واقبالا جماهيريين .
- مسرحية رقصة سماء ( 13 أوت ) للمخرج الطاهر عيسى بن العربي من إنتاج المسرح الوطني التونسي بالشراكة مع المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية بالكاف والمركز الوطني للفنون الدرامية والركحية بزغوان، ومن أداء منى نور الدين وهاجر حمودة وخالد الزيدي والأزهر الفرحاني وعبد الكريم البناني وشيماء الزعزاع وحمزة الورتتاني ومنير الخزري وإيمان المناعي وآمنة المهبولي. هذا العمل الضخم الذي يمتزج فيه الواقع بالخيال في طرح فلسفي وجودي بنفحات صوفية يبدو نخبويا وبرمجته في مهرجان يميل جمهوره إلى الترفيه والغناء يعد مجازفة وإن كان من حق النخب أن يكون لها نصيب من العروض والندوات والأماسي الشعرية في المهرجانات ، ومن واجب الهيئات المديرة أن تشتغل بالتوازي مع ضمان جماهيرية العروض ، وتحقيق المرابيح لتغطية المصاريف على صناعة حد أدنى من التوازن بين هذا وذاك .
- عرض أيمن غزال وعفاف سالم وحمودة فلاح ( 15 أوت ) : بإيقاعات خفيفة وأغان شبابية يحاول هذا الثلاثي الصاعد أن يجد له موطئ قدم في الساحة غير أنه مازال في طور الصعود وأخشى ما نخشاه أن لا يلاقي هذا العرض إقبالا جماهيرا على غرار عروض أخرى فشلت خلال السنوات الأخيرة خاصة وأن جمهور مهرجان القصرين ذكي للغاية يتميز بذائقة راقية وصعبة تميز بين العروض التي تستحق اعتلاء مسرح سيليوم وتلك التي لم تنضج بالقدر الذي يؤهلها لذلك
- عرض الزيارة لسامي اللجمي ( 8 أوت ) : كلما حضرت الزيارة بإيقاعاتها وشطحاتها الصوفية وموسيقاها الروحية وديكوراتها وملابسها وأغانيها التي يحفظها الجمهور عن ظهر قلب ، كلما غصت المدارج بالجمهور الذي أحب هذا العرض ولم يمل حضوره رغم تكراره باعتباره الأهم والأبرز والأجود منذ سنوات طويلة .
و في خاتمة قراءتنا لبرنامج الدورة 44 لمهرجان القصرين الدولي لابد من التأكيد على مسائل يجب أن توضع في عين الاعتبار وتتمثل خاصة في مايلي :
- أن الهيئة المديرة الشابة للمهرجان تغامر للمرة الثانية بالإشراف على حظوظ تظاهرة ثقافية بحجم وتاريخ وعراقة الجهة ، وهي لئن حالفها الحظ في الدورة 42 بوجود دعم كبير بأضخم العروض من قبل مهرجان قرطاج الدولي فإنها في هذه الدورة تعمل بموارد شحيحة وقليلة ، لا يمكن أن تشتري لها عرضا واحدا من العروض الضخمة التي تعرض ببعض المهرجانات الأخرى .
- أن هندسة البرمجة سواء اتفقنا حولها أو اختلفنا تحتكم إلى ضمان توازن بين الموارد وبين مراعاة اختلاف الأذواق وبين جودة العروض ، وأن الهيئة المديرة التي لمسنا أنها تعمل بصمت ورصانة تمتلك رؤية ومشروعا لاريب أنه سيتطور مع مراكمة التجربة .
- أن مقارنة مهرجان القصرين بمهرجان سبيطلة لا وجاهة له من حيث خبرة الهيئة المديرة لمهرجان العبادلة المستقرة منذ سنوات طويلة ومن حيث الموارد والجهات الداعمة ، كما أن المهرجانين يتكاملان لقرب المسافة بينهما خاصة وأن تواريخ العروض فيهما غير متزامن ويبدو أن تنسيقا في هذا الاتجاه قد تم بين الهيئتين المديرتين .
- أن عدم الاستقرار في اختيار الجمعيات الحاضنة للمهرجان والمعارك التي تدور بينها والتي بلغت حد التقاضي تعيق هذه التظاهرة السنوية التي يتشوف لها الجميع كل صائفة على التطور .
- أن اهم المعايير التي يجب على الجميع الاحتكام لها لقياس مدى نجاح الدورة هي النجاح التنظيمي وحجم الحضور الجماهيري لجمهور وفي نشيد بذائقته الراقية وحضوره الأنيق .
لطفي هرماسي