تحت خط الحياة ، منعرج إبداعي جديد في مسيرة مركز الفنون الدرامية والركحية بالقصرين

789 vues

ما الحياة ؟ سؤال يستمد مشروعيته من عمق التفكير الفلسفي وينطوي على تساؤلات فرعية وجودية ابستيمولوجية .
هل نحن أحياء حقا ؟ أم أننا أموات تحت لحود القبور ؟ أم أننا أحياء أموات لا تفصلنا عن الموت سوى شهقة واحدة ؟ وما الفرق بيننا وبين أولئك الذين يرقدون بين جنبات القبور؟
هي ليست أسئلة اعتباطية ، ولاسفسطائية كما قد يدور بخلد بعضنا ، وإنما هي بعض أسئلة وجودية تستفز أعماق ذواتنا ، تدفعنا لنتساءل عن ذواتنا ونستشعر كينونتها ووجدانها من خلال رغبتنا في تحديد ماهية الإنسان من زاوية أخرى غير تلك التي تطرق إليها الفلاسفة ولنتساءل عن ثنائية الموت والحياة من وجهة سيميولوجية نستكشف أوجه التقاطع والتشابه والتباعد والتنافر والتضاد بينهما .
هي أسئلة تمور في وجداننا ، تضغط بعنف على أذهاننا فتثير فيها عصفا وحيرة وتساؤلات بمجرد استعادة المسرح لأضوائه إثر انتهاء عرض مسرحية ” تحت خط الحياة ” وهو عمل مسرحي جديد لمركز الفنون الدرامية والركحية بالقصرين ، تم الاشتغال فيه على نص لابن الجهة المبدع عبد الحكيم العليمي ، تحت إشراف الفنان النجم المسرحي والسينمائي محمد مراد الغرسلي الذي درس المسرح بالعراق وتخرج على أيدي كبار الفنان المبدعين وشارك هناك في أعمال درامية ومسرحية وتلفزيونية فضلا عن مشاركته في أعمال درامية وسينمائية ومسرحية بتونس وآخرها مشاركته في مسلسلي شورب وتاج الحاضرة التلفزيونيين خلال شهر رمضان المنقضي وأداؤه لأدوار رئيسية في أفلام سينمائية جديدة .
محمد مراد الغرسلي ، لم يتلكأ لحظة واحدة حين دعاه الواجب وهو الذي يقطن بالعاصمة للقدوم إلى القصرين لإخراج العمل المسرحي وقيادة الفريق المكون من ممثلين محترفين بنسق ماراطوني طيلة شهر ونصف ليخرج للجمهور الثقافي وعشاق الفن الرابع بعمل متميز يستحق كل الثناء .
في حوالي ساعة ونصف الساعة، يعيش الجمهور وسط ديكور جنائزي وجها لوجه مع قبور تغلب عليها القتامة واللون الرمادي الداكن ، وسط مناخات موسيقية وضوئية تم اختيارها بعناية فائقة من قبل الفريق التقني الخبير حتى تكون متجانسة تمام التجانس مع نسق الأحداث . القبور منتصبة أمام الأعين انتصاب الموت ، وعلى الخشبة خمس شخصيات مركبة : حارس المقبرة الأحدب “عمار الحشايشي ” ( الطيب الملايكي ) الذي يمضي عمره الكئيب مستأنسا بعالم الأموات ، فارا من فقره وخصاصته ووحدته وعوزه إلى عالم المخدرات ، ” عساس منسي في قبور منسية ” يشاركه في ذلك ” الزقلو ” ( مقداد الصالحي ) المثقف والشاعر الذي يعيش حالة من السكيزوفرينيا بين هويته كمثقف من المفترض أن يكون قادرا على التغيير والتعبير عن هواجس وهموم مجتمعة ، وبين وضعه الاجتماعي والنفسي التعيس وفشله العاطفي والمادي والثقافي ، يفر من عالمه إلى عالم المخدرات رفقة نديمه عمار ليسعدا معا بلحظات هاربة بين الموتى الذين يرقدون بسلام في قبورهم ، ولا يعكرون صفو نشوتهما وشعورهما بالسعادة التي يخشى الزقلو أن يلقى عليه القبض متهما بارتكابها أو الاستمتاع بها .
متعة وسعادة وتحليق وتهويم وتداع حر، تعكرها قهقهة نسوية فتتراوح ردة فعل الرجلين إزاءها بين الخوف والرعب وبين الرغبة ، لتظهر شخصية ” سلوى ” ( زينة المساهلي) المرأة التي استغلها عاطفيا السياسي الفاسد ” مسعود ” ( حسام الهلالي ) وتنكر لوعوده لها بالاعتراف بابنهما ثمرة خطيئتهما ، قبل أن ينهي حياتها حين هددته بكشف ملفات فساده .
الشخصية الخامسة التي تظهر على الخشبة هي شخصية السمسار ” ولد كعبورة ” ( صالح ظاهري ) عبد الدينار ، الذي يعمل وسيطا في بيع كل شيء ، وهو مستعد لبيع ذاته وأبيه من أجل المال .
هو عرض جد محترم ، يوظف مهارات التمثيل ولغة الجسد والتلميح والتصريح ، و يشد المتفرجين من لحظة فتح الستار إلى لحظة إغلاقه ، يهزهم هزا ، ويجعلهم يتساءلون ، ويغادرون فضاء العرض وأحداث ونص العمل المسرحي ماتزال عالقة في أذهانهم ، يعملون على فك رموزها وشفراتها ، معتزين بهذه اللوحة الفنية الراقية نصا وأداء وتقنيات وإخراجا والتي ابتدعتها وسهرت على إخراجها بتلك الصورة البديعة أياد وعقول قصرينية صرفة .
البطاقة الفنية لمسرحية : ” تحت خط الحياة “
بطاقة فنية :
مسرحية: تحت خط الحياة
اخراج : محمد مراد غرسلي
نص عبد الحكيم العليمي،
دراماتورجيا : زينة مساهلي .
تمثيل : مقداد الصالحي ، الطيب ملائكي ، زينة مساهلي ، صالح ظاهري و حسام هلالي .
سينوغرافيا: منير سميعي ،
تصور إضاءة : شاكر قاهري
تصور موسيقى : همام تليلي ،
جرافيك : بلال خربوط ،/ ملابس : زينب غرسلي ،
مساعد مخرج : منير سميعي / توضيب ركحي : معز خليفي و محمد نصرلي،
تنفيذ الديكور : يامن عبدلي ، / توضيب انتاج : نزيه قاهري
ادارة فنية : توفيق قسومي / ادارة انتاج : الطيب ملائكي

قراءة فنية وتقرير : لطفي هرماسي